هل يجوز بنا مسجد فوق مقبرة مندرسة ؟
المسجد النبوي الشريف بني على أنقاض مقبرة دارسة
وكذلك مسجد الزاوية بتوزر
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد:
من الفقهاء -رحمهم الله- من قال بجواز نبش المقبرة المندرسة بعد تحول الميت إلى رميم أو مراعات حرمته بجمع ما تبقى من عظام ودفنها من جديد، وذلك عند الدخول في حكم الضرورة مما يتيح الاستفادة منها في وجوه النفع العام كبناء أو توسعة مسجد.
وهذا ما هو واقع كما ذكر في المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى أو الجزء منها على أنقاض مقابر .
ولا ينكر هذا إلا متشدد أو قليل علم.
والله أعلم
المتشددين في المنع هم الوهابية ومن سلك مسلكهم
أما عند المالكية فلا بأس عند الضرورة بشرط ألا تكون المقبرة جديدة
ويراعى في ذلك كله حرمة الميت كنقله إلى مكان آخر...
والله أعلم
قال الله تعالى في قصة أهل الكهف: (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لارَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً). (سورة الكهف:21)
ذهب بعض المفسرون أن هذه الآية كافية في جواز البنيان على قبور الأولياء و حتى بناء المساجد مثلما هو موجود في العاصمة تونس في مسجد في مدخل باب الخضراء..الخ
و الله أعلم.
تعقيب:
والَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ ، بقول أكثر المفسرين هم المؤمنون الموحدون غلبوا رأي المشركين الذين خالفوا بناء المسجد وقالوا: ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً، بل هو المتعين لأن الله سماه مسجداً ، وغير الموحدين لايبنون مسجداً ، فبنوه على باب كهفهم ليعبدوا الله فيه ويتبركوا بهم ، وأقرَّ الله عملهم هذا ، ولم يستنكره ، ولو كان عملاً منكراً لما أقره ولما سماه مسجداً .
وهذه الآية الكريمة توجب أن نرد ما رووه من أن النبي صلى الله عليه وآله لعن اليهود والنصارى لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ! لأنه يخالف القرآن الذي نص على بناء المسجد على قبر أهل الكهف ! فلا يعقل أن يقرَّ الله تعالى بناء مسجد على قبور أوليائه أهل الكهف ، وكانوا بعد المسيح عليهم السلام ، ويمدح البانين على فعلهم ، ثم يلعن الذين بنوا مساجد على قبور الأنبياء عليهم السلام!
ولو صحَّ ذلك الحديث المزعوم لكان معناه أن اليهود والنصارى جعلوا قبور أنبيائهم نفسها قبلةً ، أو صلَّوْا لأصحاب القبور بدل الله تعالى !
قال الشوكاني فتح القدير:3/277:( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً . ذِكْرُ اتخاذ المسجد يُشعر بأن هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم هم المسلمون ، وقيل هم أهل السلطان والملك من القوم المذكورين فإنهم الذين يغلبون على أمر من عداهم ، والأول أولى ) .
وقال الواحدي في تفسيره:2/657: ( الذين غلبوا على أمرهم ، وهم المؤمنون وكانوا غالبين في ذلك الوقت ) .
وقال أبو السعود في تفسيره:5/215: (قال الذين غلبوا على أمرهم وهم الملك والمسلمون ) . انتهى .
وقال قريباً من ذلك أكثر المفسرين .
و الله أعلم
بسم الله الرحمان الرحيم
أشكرك أخي الهادفي 2 على هذه المساهمة القيمة التي نقلتها إلينا لكن لي ملاحظة حول هذه الفقرة المقتبسة إذ أن هذا الكلام يشعر بأن صاحبه من الطاعنين في صحاح أهل السنة خصوصا البخاري ومسلم، ذلك أن هذا الحديث متفق عليه رواه البخاري ومسلم وغيرهما فلا مطعن فيه عندنا ولما كان ظاهره مشكلا لأنه يتعارض مع الآية تعين النظر في معناه بما يجعله منسجما معها وذلك بحمله على ما ذكر في آخر المقال، ومما يؤيد هذا المعنى ما ورد في صحيح البخاري باب الصلاة في البيعة: وقال عمر رضي الله عنه: إنا لا ندخل كنائسكم، من أجل التماثيل التي فيها، الصور. وكان ابن عباس يصلي في البيعة، إلا بيعة فيها تماثيل.
وإذا أمكن الجمع بين الدليلين انتفى رد أحدهما. نعم يظهر التعارض الذي لا يمكن معه الجمع بين الآية والحديث لو حملنا الحديث على المعنى الذي يصر الوهابية عليه وفي هذه الحالة يجب رد فههم للحديث لارد نفس الحديث.
ولكم جزيل الشكر والسلام عليكم.
مشكور أخينا الكريم سلطان على الرد الجميل ... نعم أوافقك تماما على كل ما قلته هنا خاصة بخصوص رد فهم الوهابية للحديث لا رد الحديث نفسه لأنني وجدت في موضع آخر لا أذكره الآن أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال هذا الحديث في وضعية خاصة و لم يكن تحريمه مطلقا مثلما يتوهم الوهابية المغالية...نعم أنا بحثت عن نص للآية كاملا في قوقل فوجدت هذا التفسير فنقلته بدون تصرف رغم أني أوافقه في التحليل إلا فيما يخص "ربما" رفض الحديث كلية و اعتباره موضوعا أو مكذوبا أو ما شابه..
قلت "ربما" لأن مرجع تحديد صحة الحديث عندي لم يعد البخاري أو مسلم بقدر ما هو تعارض الحديث مع نص آخر قرآني أو من السنة المطهرة ... ذكر الشيخ الأكبر ابن عربي الحاتمي الطائي أن العارف يجب عليه التأدب مع أي حديث للنبي صلى الله عليه و آله و سلم حتى و لو بلغه أن بعض الروات أو كتب الحديث تضعفه أو ترفضه..فالعارف المرتبط بالله مصدره في معرفة حديث رسول الله الأصلي من غيره الموضوع أو المكذوب هو الإلهام و مراقبة مطلع النور في الحديث و بقطع النظر عن ذلك يجب عليه الأدب مع أي حديث يسمعه حتى و لو كان مخالفا لمذهبه الفقهي و ذلك بأن يعمل به و لو مرة في حياته (و هذا خاصة فيما يخص السنن و الفروع في الدين) ثم يعود إلى مذهبه الذي يرتاح له... و في مكان آخر قال ليس على العارف أن يلتزم بأي مذهب فقهي معين بل هو مع الوارد الإلاهي دائما أينما يوجهه يتجه... فالشيخ إسماعيل قدس الله روحه مثلا يبسمل في الصلاة في قرائة الفاتحة و السورة و هذا ليس من المذهب المالكي بل هو في الشافعي...الخ و هذا موضوع طويل ليس هذا مجاله...
أرجو أن يستمر هذا النقاش الشيق بيننا و أن أستفيد منكم زيادة معرفة إذ أحس أنكم من ذوي العلم و المنطق و قليل ما هم...
اللهم صل على مشكاة الأنوار و الأسرار سيدنا المختار محمد و آله الأطهار و صحبه الأخيار و سلم تسليما.
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلّم على الحبيب وآله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
وبعد :
فقد أردت المشاركة مع ساداتي الإفاضل في هذا الموضوع :
أقول : هناك فرق بين بناء مسجد على أنقاض مقبرة قديمة مندرسة وهذا جائز كما قدّم سيدي أبو أويس الفاضل في الجواب مشكورا وألحقه سيدي رضوان بتقريضه على الفتوى وهذا ما ذهب إليه الفقهاء أمّا المانعون اللذين قالوا خلاف ذلك في هذه المسألة بحجّة حرمة الميّت وأن مكان القبر ملك له ففي ذلك نظر من حيث أنّه ليس على عمومه وإطلاقه وإلا فإنّه قد صحّ بأن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم بني على أنقاض مقبرة قديمة للمشركين قيل بأنّها نقلت منها قبورها أو بقاياها على الأقلّ ويكفي هذا حجيّة في الجواز من حيث النقل النصّي أمّا من حيث الإستنباط والفتوى فقد قال أهل الإختصاص بأنّ هذا جائز متى تعيّنت المصلحة الضرورية اللازمة بشروطها
فهذا أراه موضوعا مستقلاّ عن الموضوع الثاني الذي أثاره سيدي الهادفي المحترم لأّن ما ذكره لا علاقة له بمتن السؤال أعلاه فلا بد من التفريق بين الموضوعين ومراعاة المواضيع حتّى يكون الفهم بحسب كلّ موضوع فلا تتداخل علينا المفاهيم
أما بالنسبة للموضوع الثاني فكان من الممكن أن يكون السؤال فيه هكذا
هل يجوز بناء مسجد على قبر من قبور الأنبياء أو الصالحين ؟)
فالفرق واضح بين هذا السؤال والسؤال الأوّل الذي سأله سيدي عصام حفظه الله تعالى إلا أن يكون سيدي عصام قصد ما ذهب إليه سيدي الهادفي وعليه فيكون طرحه للسؤال غير وارد في هذا الموضوع
والجواب عن إشكالية الموضوع الثاني كالآتي :
أقول لا تعارض فيما بين الآية والحديث الصحيح بوجه من الوجوه بل كلّ نصّ من النصّين له معنى خاصّ به
أمّا الآية : ففيها تصريح بأن البناء على قبور الصالحين وهم أهل الكهف مسجدا لا يخلّ بالتوحيد إذ انّ القياس والعقل يعطيان إستحالة أن يقرّ الله تعالى فعلا شركيّا ويخبر به عند أحبابه وهم أهل الكهف بل ذكر ذلك وسكت عن الحكم فيها وهو دليل الجواز فلو كان غير جائز لبيّن ذلك بلا شكّ ثمّ أن الله تعالى قال (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتّخذنّ عليهم مسجدا ) قال المفسّرون هم المسلمون الموحّدون الذين غلبوا من عداهم على بناء المسجد ثمّ هناك نكتة في الآية ينبغي التفطّن إليها وهي قول الله تعالى ( مسجدا ) فيه دليل على أنّهم كانوا مسلمين وإلا فغير المسلم يمنع المساجد ولا يعرفها ولا يؤمن بها فمن أراد بناء المسجد فلا بدّ أن يكون له إيمان بالمساجد وأهلها وهناك نكتة ثانية في الآية يجب التفطّن إليها وذلك أنّهم إستغربوا قصّة أهل الكهف ورأوهم وكانوا أهل الكهف من المؤمنين فكان لا بدّ أن يؤمنوا بمن إختصّ أهل الكهف بتلك الكرامة العظيمة فبمجرّد ملاقاة أهل الكهف ومن ثمّ إكرامهم بذلك المسجد يوحي بإيمان الذين غلبوا على أمرهم ثمّ هناك نكتة ثالثة في الآية وهو قول الجمع الأوّل ( أبنوا عليهم بنيانا ) والجمع الثاني قالوا ( لنتخذنّ عليهم مسجدا) فالجميع إشتركوا من حيث إجماعهم على البناء والتشييد وإنّما الإختلاف وقع في كيفية التشييد ومقصوده لذا غلب من أراد المسجد وسلّم من أراد مجرّد البناء لأنه موفي لغرضهم , وإنّ في هذه الآيات من الأسرار ما كمن في باطن أهل الكهف ومنذ مدّة وهذا الفقير يروم كتابة شيء من ذلك فلربّما يوفّقنا الله تعالى إلى بعض معاني الآية , هذا جانبا
الموضوع الثالث : هو موضوع ما جاء في متن الحديث الصحيح وهو قوله عليه الصلاة والسلام ( لعن الله اليهود والنصارى إتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد )
فأقول : أوّلا أين النصّ النقلي في الحديث على بناء المساجد , فهل لليهود والنصارى مساجد حتّى يبنونها وهذا كلام أفصح الخلق فلم يقل ( إتّخذوا قبور أنبيائهم كنائس ودير ) فلو قال ذلك لقلنا بأن المراد بالنهي البناء سواء أكان مسجدا أو غيره وإنّما قال في حقّ اليهود والنصارى ( إتخذوا قبور أنبياءهم مساجد فدلّ لفظ ( المساجد ) ليس على البناء إذ لو كان المراد بالمساجد مجرّد البناء لقال ( كنائس أو دير ) بدل قوله ( مساجد ) مع العلم وقتها بأنّه كانت لهم كنائس على قبور أنبياءهم وعليه نستدلّ بأنّه ليس المقصود من الحديث ذلك الشكل البنائي الذي يحيط بالقبر أو المسجد الذي بجانبه هذا من وجه أوّل ويشهد لهذا بناء المسجد على أهل الكهف
الوجه الثاني : أن اللعن كان في حقّ من إتّخذ القبر مسجدا , قال بعض العلماء الرواية الصحيحة ( مساجد ) بفتح حرف الجيم وليس بكسرها وهذا يفيد أن القبر بعينه يتّخذ قبلة وإليه يكون السجود وعليه فيكون القبر مسجدا بفتح حرف الجيم ثمّ أنّ الحديث يفسّره بما إستشهد به الحديث في نفسه وهو عمل اليهود والنصارى وعلينا لمعرفة وفهم الحديث متى إلتبس علينا فهمه الرجوع إلى مشاهدة فعل النصارى عند قبور أنبيائهم وفي كنائسهم فنجد النصارى يعبدون عيسى واليهود تعبد عزير عليها السلام وإنّما خاف رسول الله على أمّته أن تعبده من دون الله واهل السلوك يدرون ما معنى هذا الكلام لذا قطع طريق الوهم على السالكين بداية ومن ثمّ مقلّديهم من العوام لأن السالكون هم أكثر عرضة من غيرهم في الوقوع في فعل اليهود والنصارى أمّا العامة فهم مقلّدون فقط لذا وجب الحذر بالنسبة لأهل السلوك عند زيارة قبور الصالحين أن يفعلوا فعلا يخالف ظاهر الشرع وقد وقعت لبعض الفقراء حكايات في هذا
الموضوع الثالث : لا بدّ أيضا من التفريق بين إتخاذ القبر مسجدا وبين وجود قبر في المسجد أو بجانبه وما عليه قبر النبي صلى الله عليه وسلّم خير شاهد بل أقوال قال عليه الصلاة والسلام فيما معناه الأنبياء حيثما قبضوا يدفنوا ومعلوم بأن الصحابة دفنوه في بيت عائشة رغم أن العادة لا تبيح جواز الدفن في البيوت ثمّ إن هذا البيت العائشي ليس بينه وبين المسجد غير جدار أو رداء فمثلما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بحذاء بيته كذلك أهل السنّة دفنوا أكابر عارفيهم بحذاء مساجدهم وزواياهم فلا ضير في ذلك البتّة بل هذا أبو بكر وهذا عمر رضي الله عنهما أوصيا بأن يدفنا بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلّم رغم علمهما بالحديث الآنف الذكر فما أوصيا بأن يدفنا في المقابر العامة ليفهم الفاهم أحوال أهل الكهف وأحوال العارفين ومن لم يفهم لا أفهمه الله تعالى
الموضوع الرابع : هناك فرق بين إتخاذ القبور مساجد وبين وجود التصاوير والتماثيل في الكنائس ودور العبادة فليس الأمر على التطابق لمن تمعّن نعم هناك بعض الإلتصاق والتشابه لكن بين الحقّ والباطل في بعض الأحيان شعرة واحدة
الموضوع الخامس :الممنوع والمحذور ليس القبور أو المساجد وإنّما فعل ما تنهانا عنه الشريعة كالصلاة الى القبر أو الطواف به ...إلخ وهذا مرسوم معلوم في كتب الفقه بما لا مزيد عليه وقد شرح صدور المؤمنين العالم الفاضل شيخ الإسلام تقي الدين السبكي رحمه الله في كتابه ( شفاء السقام ) وكذلك فتاوى ابن حجر الهيثمي الحافظ المشهور وعليه بقية علماء أهل السنّة والجماعة أما المعاندون الذي إختلط عندهم الأمر فقد حرموا من شيء إسمه البركة ولو يعلمون ما معنى البركة لعلموا كلّ قول لله تعالى فيه ذكر البركة كقوله تعالى ( الذي باركنا حوله ) يعني المسجد الأقصى وفي هذا من المعاني وغير هذا من المعنى ما ليس له حدّ البتة ، والعبد عبد مهما علا شأنه والربّ ربّ مهما صار من إختلال في الأماكن والأزمان
ولنا عودة إلى هذا الموضوع
والسلام